"على الرغم من أنني أعيش في غرفة مصعد صغيرة على سطح مبنى في دمشق مع زوجي وأولادي الثلاثة، أشعر أن هذه الغرفة تشبه القصر عندما أقارنها بالحديقة العامة التي عشنا فيها لمدة ثلاث سنوات، أو إذا قارنته بمنزلي المدمر في مسقط رأسنا في الغوطة الآن....."
عندما أنهت مرام جملتها، بدأت تبكي. إنها امرأة تبلغ الخامسة والعشرين من عمرها، متزوجة ولديها ثلاثة أطفال، محمد، ثمانية أعوام ، شهد، سبع سنوات ومحمود، عامان. أجبروا على مغادرة منزلهم في الغوطة قبل خمس سنوات، دون أن يتمكنوا من أخذ أي من ممتلكاتهم. توجهوا إلى دمشق واستقروا في حديقة عامة.
"لقد فقدت كل الخصوصية في الحديقة. اعتاد الناس على المجيء ومشاهدتنا كما لو أنهم كانوا في سينما. كنت أرتدي ملابسي التقليدية وحجابي لأكثر من ثلاث سنوات دون أن أكون قادرة على خلعها لمدة ثانية. كانت الحياة صعبة للغاية خاصة في فصل الشتاء البارد. لدي الآن على الأقل نافذة وباب يغلق على أولادي".
الزوج إبراهيم يعمل حارساً في نفس الحديقة التي اعتادوا العيش فيها. يكسب ما يعادل 75 دولاراً في الشهر. في بعض الأحيان يجد أعمالًا وخدمات أخرى يقوم بها مثل أعمال التنظيف أو البناء ليتمكن من كسب المزيد من المال لعائلته. أحد الرجال الذين عمل لديه، كان على دراية بوضعه فعرض عليه غرفة المصعد الفارغة في المبنى الذي يقيم فيه. طلب سكان هذا المبنى الحصول على تصريح للمصعد من المحافظة. وبمجرد صدورها، سيتحتم على مرام وعائلتها مغادرة الغرفة.
"لا أعرف ما الذي سيحدث عند صدور التصريح. أشعر بالقلق. طوال الوقت أفكر أين أذهب أو أعيش بعد ذلك. تم تدمير منزلنا في البلدة بالكامل. فقط المطبخ لا يزال قائماً. تم تدمير معظم قريتنا وليس فيها كهرباء أو ماء. على الرغم من كل الظروف السيئة هناك ، عاد إخوتي إلى هناك ، ولكن بالنسبة لنا، فهذا المستحيل، لم يعد لدينا منزل هناك".
أدى الصراع إلى تدمير المرافق العامة والخاصة في الغوطة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والصرف الصحي والزراعة والنقل والإسكان والبنية التحتية. رغم أن الظروف المعيشية سيئة للغاية في الغوطة، لا يزال هناك حوالي ثلاثمائة شخص يعيشون هناك. يزداد هذا العدد كل يوم حيث تعود العديد من العائلات إلى قراها بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة في دمشق.
"كل شيء مكلف للغاية، كانت هناك عدة أيام لم نتمكن فيها من إطعام أطفالنا باستثناء بعض الخبز. لا يمكنك أن تتخيل مدى شعوري بالحزن عندما يطلب مني ابني قطعة حلوى ولا يمكنني شراؤها. أطفالي يذهبون إلى المدرسة كل يوم، ويشعرون بالحزن الشديد عندما يتناول أصدقاؤهم الحلوى وهم ليس لديهم ما يأكلونه سوى قطعة خبز!".
كان للأزمة في سورية تأثير كبير على الاقتصاد. يُعتقد أن معدل البطالة يصل إلى 60 في المائة (حوالي 3.5 مليون شخص). في عام 2014 بلغ عدد الذين يعيشون في فقر مدقع 83% بزيادة 12.4% في عام 2007. ومعظم السوريين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية فيعتمدون على المساعدات الإنسانية.
"بالأمس عندما تلقيت مكالمة كاريتاس، شعرت بسعادة غامرة. بدأ أطفالي في القفز كما لو أننا فزنا ورقة يانصيب. أصروا على الذهاب معي إلى السوبر ماركت لاستخدام القسيمة. كانوا متحمسين كثيراً لأنهم سوف يكونون قادرين على اختيار بعض الحلوى والبسكويت. في الواقع، استلمنا قسيمة من كاريتاس منذ ثلاثة أشهر وكان لدينا الخيار لشراء الطعام أو الملابس. فقررت استخدامها في شراء بعض المواد الغذائية التي نستهلكها حالياً. والقسيمة الثانية ستكون مساعدة كبيرة لنا في هذه الفترة.
ساعدت كاريتاس في دمشق 1142 عائلة عن طريق مشروع القسائم المفتوحة. تم توزيع القسائم على العائلات الأكثر احتياجًا في دمشق وضواحيها، مما أتاح لهم فرصة اختيار شراء الطعام أو الملابس أو كليهما. وسوف يتم تقديم هذه المساعدة ثلاث مرات للعائلات المستفيدة من هذا المشروع.
"كنا نتلقى المساعدة من جمعية خيرية تدعى"شباب المستقبل"، لكن هذه الجمعية الخيرية توقفت عن مساعدتنا. قالوا إن الحرب انتهت. هذا صحيح، فالوضع الأمني جيد الآن، لكننا ما زلنا نعاني. نشكر لله أن كاريتاس لا تزال تساعدنا حتى الآن، وإلا فلن نتمكن من إطعام أطفالنا كل يوم".
رغم أن الوضع الأمني مستقر الآن في دمشق وضواحيها، إلا أن الوضع الإنساني لا يزال حرجاً. ما يقرب من ثمان سنوات من الحرب التي طالت الملايين من الأسر السورية وتركت آثارها السلبية على حياتهم اليومية، وخاصة خلال فصل الشتاء، لأن الآلاف من العائلات غير قادرة على مقاومة البرد.
"لقد بدأ الشتاء. تمكنت من شراء بيجامة دافئة لكل واحد من أطفالي. أخذتهم معي أثناء زيارتنا لأقاربنا في الغوطة. لسوء الحظ، عندما عدت إلى المنزل لم أتمكن من العثور عليهم. يبدو أنهم سُرقوا مني في الحافلة العامة. شعرت بالاكتئاب الشديد لأن أطفالي لم يكن لديهم أي ملابس دافئة لفصل الشتاء. في اليوم التالي، تلقيت مكالمة كاريتاس لتخبرني عن القسيمة الثانية التي سوف أتلقاها. لقد بدأت للتو بالبكاء والبكاء. بدعم من كاريتاس، أشعر أن الله لا يزال معنا ويقف بجانبنا في الأوقات الصعبة التي نعيش فيها".