• مصطفى الآن، بفضل الله وفضل كاريتاس، أصبح يرى بعينيه ويمشي كأي طفل طبيعي. أشكر الله عليكم

  • أتمنى أن أصبح طبيبة كي أساعد كل الأطفال، كما أنتم ساعدتم أخي مصطفى

"كانت أوضاعنا جيدة جداً ولم نكن بحاجة أحد. كانت أموري فوق الريح، فلقد كنا نملك مجموعة من المواشي المختلفة كما لو كنا في حديقة. لم نكن بحاجة لنشتري إلا السكر والبطاطا، فتلك الأشياء لا تُزرع عندنا. وكنت أعمل في مكبس لأحجار البناء، حيث أكسب يومياً بين 1000-1500 ليرة سورية في ذاك الوقت." 

هذا ما قاله السيّد حسين علي قلّاع من قرية العبادة في الغوطة الشرقية؛ رجل في بداية الأربعينيات من عمره. لديه زوجة تدعى لينا وستة أولاد: شابان في الخدمة العسكرية، ابنة متزوجة، بنتاً وصبيان. كما أنه يعيل ابن أخيه المعوق ويربيه مع أولاده في المنزل، فلقد كان عمره شهرين فقط عندما توفي والده في بداية الأحداث بمرض السرطان، ثم تركته والدته عند بيت جده ورحلت، وبعد وفاة الجد والجدة أخذه حسين ليهتم به مع أولاده. 

"كنا سعداء إلى أن جاءت هذه الحرب من دون سابق إنذار ودمرت حياتنا. عائلتي وافتها المنية خلال الأحداث ولم يعد لي أحد." 

يعيش حسين وأسرته في بيت أهله، فقد حاول إصلاحه قدر الإمكان؛ كان فارغاً ولم يكن فيه أبواب ونوافذ. فأحضر بعض الفُرش وأغلق النافذة والباب بألواح خشبية ولكنها لا تقيهم من البرد القارص. 

"الحمد الله أوضاعنا أفضل من غيرنا. فقد تمكنّا أن نصلّح قليلاً، لكن غيرنا لا يمكنه القيام بأية إصلاحات. أما بيتي فلا يمكنني أن أسكنه الآن لأن قسماً منه مهدّم، كالمنتفعات والسور، ومحفور من أسفله، وقد خلت من كل الأبواب والنوافذ ولا يوجد فيه أي شيء أبداً." 

حسين لا يعمل حالياً لأنه يعاني من مشكلة في قدمه، لذلك استأجر قطعة أرض وزرعها قمحاً بالديّن على أمل أن يوفي الدين على الموسم. فليس باستطاعته زراعة الفول لأنها تحتاج إلى رأسمال كبير. 

"لم نغادر الغوطة في الأحداث من أجل والدتي المريضة ووالدي وشقيقي من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ فلديه إعاقة عقلية وتصرفاته غير طبيعية ولهذا بقينا للاهتمام بهم." 

عاش حسين وعائلته أياماً صعبة جداً فقد وصل ثمن ربطة الخبز إلى ألفي ليرة سورية، أما كيلو السكر ل17000 ليرة سورية. 

"أضحك الآن عندما يشتكي الناس أن كيلو السكر بـ 700 ليرة سورية. أقول لهم: هذا لا شيء، فقد كنت أشتري سكراً بمقدار كوب من الشاي بألف ليرة. ابني الأكبر كان يشتكي طوال الوقت من عدم وجود ما نشربه. كنت أشتري رغيف الخبز بـ 500 ليرة كي أستطيع أن أطعم عبد الرحمن، ابن أخي المعوق". 

شاركت زوجته لينا في الحديث قائلة: 

"لم يكن هناك مجال كي يساعدنا أي شخص، كانت تساعدني والدتي وشقيقتي قدر استطاعتهما، 10 أو 15 ألف ليرة سورية شهرياً، فوالدتي مريضة وشقيقتي أرملة تربي أيتاماً. أشكر الله لأن زوجي محب وحنون. وأنا أحب عبد الرحمن على محبة والده لأنه كان لطيفاً مع أولادي ويحبهم ويقدم لهم المال عندما كانت الخمس والعشر ليرات لها قيمتها". 

بعد وفاة أهل حسين، وعندما سنحت لهم الفرصة، خرجوا إلى عين ترما وعاشوا هناك تقريباً ثمانية أشهر بالأجرة. وفي أحد الأيام كانت كاريتاس سورية تزور المنطقة وتوزع المساعدات هناك. تحدثوا مع الابن محمد ومع عبد الرحمن ثم زاروهم وتعرفوا على ظروفهم وشجعوهم على العودة إلى منزلهم، إذ كان الحصار قد زال عن الغوطة الشرقية وأصبح بالإمكان العودة إلى قرية "العبادة" وبدأت المساعدات توزع هناك. فعادوا وحصلوا على مساعدة غذائية من كاريتاس. 

أضافت لينا مبتسمة: 

"الحياة هنا أفضل بكثير لكل العائلة وخاصةً عبد الرحمن لأن الجميع يهتم به. ونشكر الله أن نتائج الأولاد في المدرسة جيدة جداً." 

بعد ولادة الابن الأصغر مصطفى، منذ سنة ونيف تقريباً، لاحظوا أن لديه مشكلة صحية، وبدأت رحلة العلاج بين الأطباء والمشافي. أخبروهم أن هناك مشكلة في عينيه وتضخماً في الكبد فخافوا عليه كثيراً. فالعلاج كلّفهم 300 ألف ليرة سورية تقريباً ولم يستفد شيئاً، إلى أن أشاروا عليهم مراجعة المركز الطبي التابع لكاريتاس سورية، حيث تابعوا وضع مصطفى وأرسلوه إلى أطباء مختصين وساعدوه في العلاج. 

"مصطفى الآن، بفضل الله وفضل كاريتاس، أصبح يرى بعينيه ويمشي كأي طفل طبيعي. أشكر الله عليكم". 

ومؤخراً زارت كاريتاس سورية قرية "العبادة" ووزعت حرامات ولحفاً وحصلت أسرة حسين على حصتها منهم وعلى حصة لعبد الرحمن، إذ لا يملك دفتراً للعائلة بل بياناً عائلياً فقط، لأن الكثير من المساعدات لا تعطى بدون دفتر عائلة. 

عندما سئلت الطفلة أسينات ذو السنوات العشرة: ماذا تتمنى؟ قالت: 

"أتمنى أن أصبح طبيبة كي أساعد كل الأطفال، كما أنتم ساعدتم أخي مصطفى". 

أما عبد الرحمن البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة، فيحلم أن يصبح مدرساً لمادة الرياضيات.